الجواب
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
أولا
: الأصل في شروط عقد النكاح :
الأصل في شروط عقد النكاح هو
الجواز والصحة واللزوم ، ويجب الوفاء بالشروط في عقد الزوجية إلا أن تكون شروطاً
محرمة أو تخالف مقتضى العقد ، والقاعدة في الشروط المنهي عنها هي : أن يكون الشرط
ليس في كتاب الله أو يحرم حلالا أو يحلل حراما ، وفيما عدا ذلك من الشروط التي
تخدم مصلحة العقد ولا تخالف مقتضاه ويعود نفعها على العاقدين فهي شروط جائزة ويجب
الوفاء والالتزام بها ، وذلك لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه في الصحيحين قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به
الفروج " ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " مقاطع الحقوق عند
الشروط " علقه البخاري.
وفي سنن الترمذي من حديث
عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ". وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال أناس يشترطون شروطاً ليس في
كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مئة شرط، شرط
الله أحق وأوثق " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله في "الفتح" (9/123) :
[ وقال الخطابي : الشروط في النكاح مختلفة ، فمنها ما يجب الوفاء به
اتفاقاً، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وعليه حمل بعضهم
هذا الحديث . ومنها ما لا يوفى به اتفاقاً كسؤال طلاق أختها، وسيأتي حكمه في الباب
الذي يليه. ومنها ما اختُلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها
من منزلها إلى منزله... وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لا يقسم لها أو لا ينفق
أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به، بل إن وقع في صلب العقد كفى وصح النكاح بمهر المثل،
وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط.] اهـ.
وقال ابن قدامة رحمه الله
في "المغني" (6/15) :
[ الشروط في النكاح تنقسم أقساماً ثلاثة، أحدها ما يلزم الوفاء به،
وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته ، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها..
الثاني ما يبطل الشرط، ويصح العقد، مثل أن يشترط أن لا مهر لها، أو ألا ينفق عليها
أو إن أصدقها رجع عليها، أو تشترط عليه ألا يطأها... فهذه الشروط كلها باطلة في
نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد؛ ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده،
فلم يصح. ] اهـ.
والعلماء قد اشترطوا لصحة الشرط في عقد النكاح ثلاثة أمور هي :
1- ألا يخالف مقتضى العقد ، لئلا يعود على
غرضه بالنقض .
2- ألا يخالف الشرع ، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله
عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " أَمَّا
بَعْدُ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ
اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ
بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ
أَوْثَقُ " وهذا لفظ مسلم .
3- أن يكون فيه مصلحة للعاقد .
قال البهوتي رحمه
الله في "كشاف القناع" (5/ 99) :
[ الثَّانِي: شَرْطُ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا
يُنَافِي الْعَقْدَ كَزِيَادَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي مَهْرِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا
الْوَاجِبَةِ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارَاتِ، أَوْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ
مَهْرِهَا مِنْ نَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُلَهَا
مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، أَوْ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا، أَوْ أَنْ لَا
يُفَرِّق بَيْنهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ أَوْلَادِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ...] اهـ.
ثانيا : الشروط التي وردت في الرسالة :
الشروط التي وضعتموها
لإبرام عقد الزواج عندكم في لاتفيا والتي جاءت بناءا على حقيقة الواقع الذي تعيشون
فيه ومراعاة لمصالح الزوجين ودرءا لأي عبث أو تلاعب فهي شروط جائزة لا تخالف مقاصد
عقد الزواج ولا مقتضاه ، واشتراط المواطنة لأحد الزوجين أو أن يكون مقيما في
لاتفيا أيضا شرط لا حرج منه إذا كان فيه مصلحة للعقد ، مثل سهولة الرجوع إلى أحد
العاقدين عند وقوع الخلاف أو الطلاق وحضانة الأولاد ونحو ذلك .
ثالثا : شرط توثيق العقد في المحاكم المدنية :
أرى إعادة النظر في اشتراط
توثيق العقد في المحاكم المدنية قبل إبرام العقد الشرعي في المسجد ، وإنني لا أرى
صحة اشتراط توثيق عقد الزواج في الدولة قبل إبرام العقد في المسجد ، فإن الخطوة لا
حرج منها إذا كانت بعد العقد الشرعي في المسجد وليس قبله ، حيث إن الأصل هو عدم
التحاكم إلى المحاكم المدنية في بلاد غير المسلمين خاصة في الأحوال الشخصية
المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والنفقة والميراث ونحو ذلك ، ولكن يتولى ذلك
أقرب مركز إسلامي فيه إمام مسؤول عن شؤون الزواج والطلاق لأن هذا هو الذي يُعتد به
شرعا ، وأما الاجراءات المدنية في المحاكم الأوروبية فلا بأس بها كإجراءات للتوثيق
ولكن بعد التحاكم للمحاكم الشرعية الممثلة في المركز الإسلامي ، لأن القوانين
الغربية في الأحكام المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والرضاع والنفقة هي شرعا
والعدم سواء إذا تعارضت مع أحكام الشريعة الإسلامية ، لأن الشرع هو الذي أُمرنا أن
نتحاكم إليه ، ويكون الرجوع إلى المحاكم الغربية فقط للضرورة كإثبات الحالة
الاجتماعية في الأوراق الرسمية لتسيير أمور الحياة ، كما إنه لا حرج من التزام
القوانين الغربية طالما لم تتعارض مع شرع الله .
والتحاكم
إلى المحاكم الغربية المدنية التي تحكم بالقوانين الوضعية لا يجوز ، لا في حالة
الزواج ولا الطلاق ولا غيرهما لأنه لا ولاية لكافر على مسلم .
وعلى
المسلمين أن يرجعوا إلى أقرب مركز إسلامي لهم في بلد إقامتهم ليتحاكموا إليه ، حيث
يوجد غالبا علماء متخصصون في الشريعة يقومون بإيجاد حلول شرعية لما يواجهونه من
قضايا تصطدم مع القوانين الغربية الوضعية لمخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية .
فإذا
لم يجد القائمون على هذه المراكز حلا فيقومون بعرض المسألة على من يثقون به من
العلماء في بلاد العالم الإسلامي أو مراكز الفتوى فيها ليتحصلوا على الجواب الشرعي
، لأن الحكمُ بما شرَعَ اللهُ من أخصِّ خصوصيات العبودية لله ، وذلك لقول الله جل
وعلا : " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللهُ "
[الشورى: 21] .
* تنبيه مهم :
العلة التي تفضلتم بذكرها ووضعتم الشرط بناءاً
عليها علة قوية ولها وجه معتبر .
وخروجا من هذا الإشكال فإنني رأيت في بعض
البلاد غير الإسلامية وجود اتفاق بين الدولة وبين أشخاص محددين يوكل إليهم عقود
الزواج وشؤون الطلاق والخلع ومعهم أختام موثقة تعترف بها الحكومة ولهم رخصة رسمية
في إبرام عقود الزواج ، ويعتبر العقد بهذا التوثيق رسمياً معترف به كعقد الزواج
المدني في المحاكم الغربية .
ولكم أن تنظروا إذا كان ذلك متاحا عندكم فيكون
حل الإشكال ويقع عقد الزواج بالمسجد موافقا تماماً في قوته ومصداقيته كالعقد
المدني أمام المحاكم الغربية .
لمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى هذه الفتاوى
بالموقع : [ فتاوى عامة رقم : 217 ، 230 ، 370 ، 477 ، فتاوى نسائية رقم : 741 ،
1468 ، 4020 ، 4574 ، فتاوى قضايا معاصرة رقم : 5230 ] .
والله تعالى أعلم .
|