السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما صحة هذا الحديث : " عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكليماً... إذا تبت، وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقي موسى إبليس، قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً...؟ ثم قال إبليس: يا موسى إن لك علي حقاً بما شفعت لي إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن: اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها." ؟

البلد : بلجيكا .

التاريخ : 24 / 8 / 2022   

رقم الفتوى : 2082

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

 هذا الحديث لم يثبت صحة سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذكره بعض المفسرين كالإمام السيوطي عند تفسير قوله تعالى :

" وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ " [البقرة : 31- 33] .

   قال السيوطي رحمه الله في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" :

[ أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكليماً إذ تبت؟ وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب عليَّ قال موسى: نعم. فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقي موسى إبليس. قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك. فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أأسجد له ميتاً؟ ثم قال إبليس: يا موسى أن لك عليَّ حقاً بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن. اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف. فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها. ] اهـ.

 وذكره السيوطي أيضاً في "الجامع الصغير" ورمز لضعف الحديث كما ذكر المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (3/166) ، وكذلك ضعفه الألباني رحمه الله في "ضعيف الجامع الصغير" (2213) .

  وقد ورد هذا الحديث في حادثة أخرى مع نوح عليه السلام كما ذكره السيوطي رحمه الله في "الدر المنثور" عند تفسير سورة هود :

[ ... وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر في مكايد الشيطان عن أبي العالية قال: لما رست السفينة سفينة نوح عليه السلام إذا هو بإبليس على كوتل السفينة. . .! فقال له نوح عليه السلام: ويلك قد غرق أهل الأرض من أجلك.؟! قال له إبليس: فما أصنع؟ قال: تتوب. قال: فسل ربك هل لي من توبة؟ فدعا نوح ربه، فأوحى إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم. قال: قد جعلت لك توبة قال: وما هي؟ قال: تسجد لقبر آدم. قال: تركته حيا وأسجد له ميتا؟] اهـ.

    وهذا الحديث قد ذكره أيضا ابن عساكر من رواية ابن أبي الدنيا في "تاريخ دمشق" (61/ 127) ، كما ذكرها أيضا الغزالي في "الإحياء" ، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" . ولكن هذا لا يمنع أن الأمور الثلاثة التي حذر منها الشيطان وهي : الغضب، والتولي يوم الزحف، والخلوة بالأجنبية، قد ورد التحذير منها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة .

  ومما يطعن في صحة هذا الحديث أن الله تعالى لا يأمر أحدا من خلقه أن يسجد لقبر ، فإن السجود لغير الله شرك أكبر ، ولئن جاز السجود لآدم حيًّا تشريفا له وتحية ، فلا يجوز السجود له بعد موته ، فضلا عن السجود لِقبر آدم ، وسجود الملائكة لآدم سجود تحية وتشريف امتثالا لأمر الله الذي أمرهم  بذلك ، كما سجد إخوة يوسف ليوسف عليه السلام ، وهذا كان جائزا في شريعتهم دون شريعتنا .

  لهذا أنصح وبشدة من عدم نشر أي أحاديث إلا من بعد التثبت وسؤال العلماء أهل التخصص لمعرفة صحة هذه الأحاديث قبل نشرها ، وذلك صيانة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم من التحريف ، حتى ولو كان ناشر ذلك ينشرها بحسن نية ودون قصد التعمد بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك حتى نساهم جميعا في المحافظة على السنة الصحيحة .

والله تعالى أعلم .