فتاوى قضايا فقهية معاصرة رقم : 5498

السؤال : السلام عليكم ورحمه الله شخص مستأجر محل إيجار قديم قيمته 20 جم ولا يستخدم المحل ومن عشر سنوات يؤجر المحل من الباطن لشخص آخر فوقع ضرر على أصحاب المحل وهو شرك بين ورثة وهم في احتياج لهذه الأموال فطالبوا بإخلاء المحل وتأجيره حتى يكون العائد لهم والمستأجر رفض لأن معه عقد إيجار ولا يزال يؤجره ويستفيد هو بالمبلغ الكبير ولا يعطي أصحاب المحل إلا 20 جم قيمة الإيجار القديم فما رأي الشرع في هذه القضية ؟

البلد : مصر .

التاريخ : 4 / 7 / 2022

رقم الفتوى : 5498

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  الجواب من نقطتين :

الأولى : حكم ما يُسمى الإيجار القديم :

  عقود الإيجار القديمة للشقق ليست عقود تمليك لأن الشخص الذي ينتفع بها مستأجر وليس مالكا للشقة ، وما تفرضه بعض القوانين على الملاك من جعل الإجارة مؤبدة إلى أجل غير مسمى غير جائز شرعاً وفيه ظلم للمالك ؛ لأنه يؤدي إلى حبس العين عن مالكها ، وهذا لا يكون إلا في البيع ، والإجارة هي تمليك منفعة وليس تمليك عين ، وهذا هو الفرق بين البيع والإجارة : أن البيع تمليك عين بينما الإجارة تمليك منفعة . والمستأجر له حق الانتفاع بالعين وليس تملكها ، أما إذا أراد المالك أخذ ملكه قبل انتهاء مدة الإجارة فللمستأجر حينئذ المطالبة بما بقي له من بدل الخلو وهو قيمة ما بقي من مدة الإجارة .

 فالإجارة هي تمليك منفعة لمدة معلومة نظير أجرة محددة ، فالإجارة تمليك منفعة وليست تمليك عين ، ومن شروط صحة الإجارة :

1- أن تكون الأجرة معلومة .

2- أن يكون العقد محددا بمدة معلومة .

3- أن تكون المنفعة مباحة .

4- أن تكون من جائز التصرف عاقلا بالغا رشيدا .

5- أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها .

 فلا تصح الإجارة على مدة أو أجرة مجهولة وإلا أصبحت الإجارة فاسدة.

  قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5 / 260) :

[ قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار المنازل والدواب جائز، ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة. ] اهـ.

  وقال ابن قدامة رحمه الله أيضا في المغني (5/251) :

[ الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة، ولا خلاف في هذا نعلمه، لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرفة له فوجب أن تكون معلومة. ] اهـ.

  وعقدُ الإجارةِ يمكن فَسخُه من أي طرف من المالك أو المستأجر ، وردُّ ذلك المحل لمالكه حق للمالك بغير عوض أو بدل ، والمالك مُخيَّر بعد ذلك بين تأجيرِ المحل لنفس المستأجر بأجرة يتفق عليها الطرفان مثل أجرة المثل أو يؤجرها لغيرِه، مع الالتزِم بِالشُّروط الشرعيَّة في الإجارة السابق ذكرها .

  فإن رضِي المالك وأبرم عقدًا جديدًا شرعيًّا مع المستأجر تُحدَّد فيه مدَّة الإيجار مع الاتّفاق على أُجرة معلومة يرضَى بها مالك المحل والمستأجر جاز ذلك ، وإذا أراد المستأجر ترك المحل فلا حق له في مال من المستأجر الجديد لترك المحل لأنه لا يملكه بل يؤجره فبأي حق يأخذ هذا المال ؟ 

  لمزيد من الفائدة في هذه المسألة يمكن الرجوع إلى هذه الفتاوى بالموقع : [ فتاوى معاملات مالية رقم : 6421 ، 6594 ، 6740 ، 6814 ، فتاوى قضايا فقهية معاصرة رقم : 5046 ، 5255 ، 5372 ، 5430 ، 5432 ، 5455 ] .

الثانية : حكم قيام المستأجير تأجير العين من الباطن :

  الراجح عند الفقهاء هو جواز الإيجار من الباطن ، وليس للمالك أن يأخذ أي نسبة من المستأجر نظير إيجار المسكن لغيره ، لأن المستأجر الأول له حق الانتفاع بالعين المؤجرة له أو لغيره ، وليس للمالك أن يأخذ إلا قيمة الأجرة المتفق عليها .

  وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة التي تُسمى التأجير من الباطن على ثلاثة أقوال وهي :

الأول : عدم جواز قيام المستأجر بتأجير العين المؤجرة إذا اشترط عليه المؤجر ذلك في العقد .

   قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (7/ 23) :

[ ومن استأجر دارا ثم أجرها بأكثر مما استأجرها به أو بأقل أو بمثله فهو حلال جائز؛ إلا أن تكون المعاقدة وقعت على أن يسكنها بنفسه ، فلا يجوز غير ما وقعت عليه الإجارة. ] اهـ. باختصار

الثاني : يجوز تأجير المستأجر للعين المؤجرة ولو بغير علم المالك والعقد صحيح مع بطلان هذا الشرط ، لأن المستأجر له كامل الانتفاع بالعين المؤجرة ولو بتمكين غيره للانتفاع بها نظير أجرة المثل أو أكثر منها .

  قال الشربيني رحمه الله في "مغني المحتاج" (3/ 474) :

[ فلو شرط استيفاءها عليه بنفسه لم يصح، كما لو باعه عينا وشرط أن لا يبيعها, ولابن الرفعة في ذلك نظر. ] اهـ.

  وقال علي حيدر رحمه الله في "درر الحكام" (1/ 173) :

[ للمستأجر إيجار المأجور كالدور والأراضي ما لم يتفاوت استعماله باختلاف المستعملين الانتفاع به، على أن تستوفى المنفعة التي يقتدر على استيفائها في مدة الإجارة, ولو ببدل زائد عن بدل الإجارة وإعارته أو إيداعه, ولو شرط المؤجر أن يستعمله المستأجر بنفسه, وأن ليس له إيجاره من غيره. ] اهـ.

الثالث : العقد باطل من أساسه إذا اشترط المؤجر على المستأجر عدم تأجيرها لغيره .

والقول الراجح : هو جواز تأجير المستأجر للعين المؤجرة بأجرة المثل أو أكثر منها إذا لم يشترط عليه المالك ولم ينص على ذلك في العقد ، وهذا ما رجحه ابن تيمية رحمه الله حيث قال في "مجموع الفتاوى" (30/ 157) :

[ يجوز للمستأجر إجارة العين المؤجرة لمن يقوم مقامه بمثل الأجرة وزيادة, وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي, فإن شرط المؤجر على المستأجر أن لا يستوفي المنفعة إلا بنفسه أو أن لا يؤجرها إلا لعدل أو لا يؤجرها من زيد، فقياس المذهب فيما أراه أنها شروط صحيحة, لكن لو تعذر على المستأجر الاستيفاء بنفسه لمرض أو تلف مال أو إرادة سفر ونحو ذلك, فينبغي أن يثبت له الفسخ كما لو تعذر تسليم المنفعة. ] ا.هـ.

   لمزيد من الفائدة في هذه المسألة يمكن الرجوع إلى هذه الفتاوى بالموقع : [فتاوى معاملات مالية رقم : 502 ، 583 ، 1531 ، 3119 ] . 

  والله تعالى أعلم