فتاوى عامة رقم : 9981

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الدكتور خالد عبد العليم أريد عمل صدقة جارية لوالدي سُقيا الماء (محطة تنقية مياه) هل ينفع أو يجوز أن يكون ضمن المال الذي سيتم دفعه في هذا المشروع عوائد بنكية (فائدة بنكية) أو لا ينفع ولا يجوز ؟

البلد : مصر .

التاريخ : 25 / 8 / 2022

رقم الفتوى : 9981  

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  الصدقة الجارية هي التي يجري ثوابها للإنسان بعد موته وانقطاع عمله ، ومن هذه الصدقات الجارية حفر الآبار وإجراء النهار ، روى ابن ماجه وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته " حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (200) .

  ومحطة المياه التي تنقي الماء حتى يصبح صالحا للشرب فينتفع به الناس من جنس الصدقات الجارية ، وصيانة هذه المحطات حتى تستمر في مهمتها لا يقل شأنها عن شرائها ابتداءا ، لهذا فالأموال التي تُنفق على صيانة المحطة او نفقة الكهرباء لتشغيلها من باب الصدقات الجارية ، لأنه لولا الصيانة وكلفة الوقود لتعطلت ولم ينتفع بها أحد .

  وسقيا الماء من أفضل الصدقات ، كما روى أحمد وأبو داود عن سعد بن عبادة وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصدقة سقي الماء " حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1113) .

  وسقي الماء من أفضل الصدقات الجارية للميت ، روى النسائي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه : أن أمه ماتت ، فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت ، أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم . قال : فأي الصدقة أفضل . قال : سقي الماء فتلك سقاية سعد بالمدينة. حسنه لغيره الألباني في "صحيح النسائي" (3668) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما : أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة : " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " .

   قال الإمام القرطبي رحمه الله :

[ في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال ] اهـ.

  وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملا خفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر " .

  ومن سقيا الماء حفر الآبار وتوفير المضخات لتنقية المياه لتكون صالحة للشرب ، والتبرع بالمبردات في المساجد أو الأسواق أو على الطرق أوعند البيوت .

  قال الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 221) :

[ حكاية قرحة شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله، فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبو عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلمّا كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس؛ بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها : ( قولوا لأبي عبد الله يوسِّع الماء على المسلمين )، فجيئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله، فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الحمد في الماء، وأخذ الناس في الماء، فما مرَّت عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى ما كان، وعاش بعد ذلك سنين. ] اهـ.

  وقال الإمام الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" (8 / 407) :

[ أن رجلاً سأل عبدالله بن المبارك عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج فقال له ابن المبارك : (اذهب واحفر بئراً في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء فإني أرجو أن تنبع هناك عين) ، ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى.] اهـ. 

  والصدقة الجارية لابد أن تكون من مال حلال لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وأما إضافة الفوائد البنكية لاستكمال أو إتمام هذه الصدقة فإنه لا يجوز أن يكون بنية الصدقة ولكن بنية تطهير أصل رأس المال الذي في البنك ، وقد ذكر كثير من العلماء المعاصرين ومجامع الفقه الإسلامي بعدم ترك الفائدة الربوية على الودائع للبنوك ولكن أخذها وإنفاقها في مصالح المسلمين العامة مثل بناء المدارس والمساجد والمستشفيات وحفر الآبار وسقيا الماء ونحو ذلك مما يعود نفعه على عموم المسلمين ، وبناء على ذلك فإن ما تنفقه على سقيا الماء من مالك الحلال هو الذي سيكون لك صدقة جارية ، وتتجنب أن يختلط بها مال الفوائد الربوية إلا إذا لم تكف نفقة الصدقة الجارية فلا حرج ولكن لا أجر لك في نفقة الفوائد الربوية ، لأنها ليست صدقة وإنما هي تطهير لرأس المال وتخلص من مال فاسد بإنفاقه في منافع المسلمين العامة .

  لمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى هذه الفتوى بالموقع : [ فتاوى عامة رقم : 9149 ] .

  والله تعالى أعلم .