فتاوى عامة رقم : 9985

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله يا دكتور خالد كنت أريد أن أسأل كيف نطلب العلم ؟ وهل يلزم وجود عالم لطلب العلم ؟ ولو وجدنا في منطقتنا عالم نستطيع أخذ العلم منه بماذا نبدأ ؟

البلد : مصر .

التاريخ : 29 / 8 / 2022

رقم الفتوى : 9985  

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  زادك الله حرصا على طلب العلم النافع ورزقك الله التوفيق للعمل الصالح .

  طلب العلم الشرعي فريضة على كل مسلم ، وأول ما يجب تعليمه للمكلف هو توحيد الله تعالى والإيمان به والإقرار بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما يتضمنه الإقرار بالشهادتين ، كما يفرض عليه تعلم ما يجب تعلمه من الدين بالضرورة كالطهارة والصلاة والصيام وغير ذلك من الفروض والواجبات الشرعية ، روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (184) وفي "صحيح الترغيب" (72) .     
  والعلم لا يأتي إلى أحد ولكن ينبغي للمسلم أن يسعى في طلبه وتحصيله ويبحث عن مجالس العلماء ويرحل إليها ويتأدب معهم ويجالسهم ويسألهم عما لا يعلمه كما كان هو حال الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكما هو حال الأمة جيلا بعد جيل في الجلوس في حلق العلم طلبا لمرضاة الله ومعرفة دينه .

  روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله تعالى حتى يرجع " . 

  وإذا أردت الالتحاق بمجالس العلم الشرعي التي يقوم عليها علماء فقهاء راسخون في علمهم فعليك بالجامع الأزهر حيث تقام حلقات العلم يوميا عند بعض أعمدة المسجد بما يُسمى شيخ العمود ، فيجلس الفقيه أو العالم إلى العمود وحوله طلاب العلم لدراسة العلوم الشرعية في كل أفرع الشريعة من فقه وتفسير وحديث وأصول وسيرة ، كما يوجد هناك مضايف يرتادها الكثير من العلماء ، فعليك بالسؤال عن مواعيد هذه الحلقات والدورات الشرعية وتلتحق بها ففيها علم منضبط وخير كثير .

  ومجالس العلم لا تكاد تخلو منها بلد مسلم وإن كانت تتفاوت كثرة وقلة في بعض البلدان ، والآن والحمد لله أصبح هناك بعض القنوات الفضائية التي تتأدب بآداب الإسلام وتحمل منهجا شرعيا منضبطا بضوابط الشريعة بعيدا عن الأهواء والترهات ، فيمكن متابعتها للاستفادة منها وإن كان هذا لا يغني أبدا عن الذهاب للمساجد وحضور حلق العلم بين يدي العلماء .

   فإذا لم تجد قريبا منك أحد العلماء لتتعلم منه فإنني أنصحك في بداية طلبك للعلم الشرعي بالآتي :

1- أن تصحح النية في طلب العلم ليكون غرضك منه هو إرضاء الله تعالى والتقرب إليه بطاعته ، ومعرفة ما أوجبه عليك لتقوم عليه ، ثم تدعو غيرك بالحكمة إلى ما وفقك الله إليه من العلم النافع .

2- أن تبدأ بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة ، فإن لم تستطع أن تحفظه كله فما استطعت منه ، ولكن عليك بتعلم التجويد لتصحيح قراءة القرآن كله على يد معلم للقرآن قريب منك ، فإن لم تجد فهناك وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف المحمول والإنترنت والبرامج الإلكترونية لترديد القراءة الصحيحة خلف قارئ القرآن .

3- يمكنك الاستعانة بالكتب بعد سؤال العلماء عن طريق الهاتف أو الرسائل ليدلوك على الكتب النافعة في مجال : الفقه والحديث والتفسير والسيرة والأخلاق ، فالعلماء لديهم خبرة بمستوى الطالب خاصة المبتدأ فيقدمون له النصيحة بما يسهل عليه فهمه وتطبيقه .

4- ابحث عن الصحبة الصالحة فهي من أسباب الإعانة على الخير خاصة عند عدم وجود العالم الفقيه المربي وأكثر من الدعاء ، فالله حقيقة هو المعلم ونحن نأخذ فقط بأسباب التعلم ، " واتقوا الله ويعلمكم الله " ، " ففهمناها سليمان " ، " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " .

5- يمكنك الاستعانة بهذه الكتب في بداية طريقك :

- التفسير : تفسير ابن كثير وتفسير السعدي للقرآن الكريم .

- الحديث : رياض الصالحين والأربعين النووية والأذكار للنووي ، جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي .

- العقيدة : شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ، عقيدة المؤمن لأبي بكر الجزائري ، سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة لعمر سليمان الأشقر . 

- الفقه : الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالسعودية ، فقه السنة للسيد سابق .

- السيرة : مختصر سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون ، والرحيق المختوم للمباركفوري

- الأخلاق والتزكية : مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ، مجموعة كتب ابن القيم : زاد المعاد ، الداء والدواء ، الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي .

* معايير اختيار العالم أو الفقيه الذي يؤخذ منه العلم :

1- أن يكون تقيا صالحا في ظاهره مشهود له بحسن الخلق والاستقامة والصلاح عليه هيبة العلماء ووقار الصالحين .

2- أن يكون له سند شرعي لمصدر علمه ممن تعلم العلم الشرعي على أيديهم من علماء وشيوخ ، فيكون قد تخرج من أحد الجامعات الشرعية الموثوق المعترف بها في الأمة أو يكون له لديه سند متصل أخذه على يد من علموه من علماء وشيوخ ثقات .

3- أن يكون سليم الاعتقاد متبعا للسنة ليس لديه بدع في الاعتقاد والعمل على منهج أهل السنة والجماعة .

4- أن يكون قدوة بعمله وسلوكه قبل كلامه وتعليمه ، فالعالم المربي والشيخ الموجه يتأثر به تلاميذه ويقلدوه في كل صغيرة وكبيرة لاعتقادهم أنه مستقيم متبع للسنة ، وقديما قالوا : من لا ينفعك لحظه – أي عمله وخلقه وسلوكه – لا ينفعك لفظه .

5- أن يبذل علمه خالصا لوجه الله وابتغاء مرضاته لا يجعل العلم سبيلا للمال والشهرة وأن يكون متواضعا لمن يعلمه صبورا عليه رفيقا به . 

وأنصح طالب العلم بما يلي :

أولا : وسائل طلب العلم :

  طالب العلم يمكنه تحصيل العلم الشرعي بوسائل عديدة منها :

1- حضور مجالس العلم على يد العلماء – وهذا هو الأصل – فإذا تناءت الديار أو لم يوجد عالم فقيه في البلد التي أنتم فيها خاصة البلاد الأوروبية ، فيمكنكم الآن التواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة :

2- مثل الإنترنت والفيس بوك والبريد الإلكتروني – الإيميل – والهاتف وغير ذلك للتواصل مع العلماء الثقات .

3- الاستعانة بالكتب الشرعية النافعة .

4- استماع شرائط مسجلة للدروس العلمية من العلماء الثقات .

ثانيا : يجب الإخلاص في طلب العلم وتجريد النية لله ، وأن تكون الدوافع وراء طلب العلم النافع هو العمل الصالح ونشره وتبليغه للناس بالدعوة إليه .

ثالثا : عند وجود استفسار أو اشتباه أمر على طالب العلم فالواجب عليه هو سؤال العلماء وليس البحث بنفسه عن طريق الحاسوب - الإنترنت - ، فإن الإنترنت فيه الصحيح والفاسد والصواب والخطأ ولا يستطيع التعامل مع الأدلة الشرعية إلا العلماء الذين درسوا الشريعة ويعرفون وجوه الأدلة وتوجيهها واستنباط الأحكام منها .

رابعا : لا يجب التبرع بالفتوى ، فقد ورد في الأثر : " أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار " ، ومن أفتى بغير علم فقد ضل وأضل ويقع عليه إثم من أفتاه .

خامسا : يجب التحذير من أخذ العلم منفردا من الكتب أو الإنترنت بعيدا عن العلماء ، فهذا بداية الانحراف والضلالة ، لأن النصوص لها وجوه في التفسير ، فمنها المطلق والمقيد والخاص والعام ، ومنها ما هو واجب وما هو مندوب وما هو مباح ، ومن النصوص ما هو منسوخ ، ومنها المجمل والمبين ، ولا يعرف هذا عوام الناس .

  قال السلف الصالح : لا تأخذ العلم من صحفي – أي أخذ علمه من القراءة في الصحف والكتب دون الرجوع للعلماء – ولا القرآن من مصحفي – أي تعلم علم التجويد والقراءة بنفسه دون أن يتعلم على يد قارئ مجود للقرآن أخذ العلم عن شيوخه ومعلميه .

سادسا : على طالب العلم أن يبدأ بالأهم فالمهم وبالأصول قبل الفروع ، فليس من المعقول أن يبدأ طالب العلم بعلم المواريث وفقه البيوع وهو لا يحسن فقه الطهارة والصلاة ، أو يبدأ في البحث عن الفرق والجماعات عبر التاريخ دون أن يحكم العقيدة وأصول الإيمان .  

  لمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى هذه الفتاوى بالموقع : [ فتاوى عامة رقم : 322 ، 1636 ، 7045 ، 7704 ، فتاوى نسائية رقم : 108 ، 155 ، 692 ، 705 ]  . 

  والله تعالى أعلم .