فتاوى عامة رقم : 9992

السؤال : السلام عليكم يوجد حديث البطاقة الذي به أن كلمة لا إله إلا الله أثقل من 99 سجلا من السيئات ودخل صاحبها الجنة أي لا يعذب بهذه الذنوب ، والحديث الآخر ( أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ) فأرجو التوضيح ؟ وجزاكم الله خيرا .

البلد : مصر .

التاريخ : 6 / 9 / 2022

رقم الفتوى : 9992  

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  مثل هذه الأحاديث تدخل تحت باب الترغيب في التوبة وترك المعاصي والرجوع إلى الله وليس معناها أن كلمة التوحيد وحدها سبب كاف لدخوله الجنة دون أداء الفرائض واجتناب النواهي ، وإنما كلمة التوحيد تمنع من الخلود في النار كما دل على ذلك الحديث الثاني في السؤال ، فمن يدعي غير ذلك فقد أساء فهم الحديث وعارض به جميع نصوص الشريعة التي أكدت على أن العمل الصالح جزء من مسمى الإيمان ، فالإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان ، وإلا فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضة شيئا قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما أنتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك " رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (413) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4143).

  وقريب من هذا المعنى حديث المرأة البغي من بني إسرائيل التي دخلت الجنة بسبب رحمتها على كلب كاد يموت من العطش فسقته شربة ماء ، والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما كلب يطيف بركية ، كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها ، فسقته فغفر لها به " .

(ركية) : حافة البئر .

(موقها) : ما يُلبس فوق الخف .

(فغفر لها) ما سبق منها من الزنا. (به) بسبب سقيها له .

  وليس المقصود أنه ليس لها عمل صالح إلا هذا ، وإنما تقبل الله منها هذا العمل فكان سببا لمغفرة ذنوبها ودخولها الجنة ، وذلك لما فيه من الرحمة على مخلوقات الله . فإن الله لا يتقبل عملا صالحا إلا من مؤمن ، وشرط قبول العمل الصالح بعد الإيمان أن يكون خالصا لله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

  فالصحيح أن هذه المرأة لم تكن كافرة لأن الله لا يتقبل مع الكفر أي عمل صالح فليس بعد الكفر ذنب ، ولكنها كانت عاصية بسبب زناها فغفر الله لها ما سبق منها من الزنا وتاب عليها ، وهذه المغفرة كانت بسبب رحمتها على حيوان وسقيها له شربة ماء بعدما كاد يموت من العطش ، وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له " . قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: " في كل كبد رطبة أجر " .

(وإن لنا في البهائم لأجرا) أيكون لنا في سقي البهائم والإحسان لها أجر. (في كل كبد) في الإحسان إلى كل ذي كبد.

(رطبة) حية .

  ومن أهل العلم من حمل حديث البطاقة على حال إيمانية عالية ، ويقين راسخ جعل ثواب الشهادتين فيها مقتضيًا لطيش مثل هذه السجلات ، وإلا ، فكل مسلم يشهد الشهادتين ومنهم من يدخل النار بذنوبه مثل بعض الكبائر التي لم يتب منها حتى يتطهّر منها ثم يدخل الجنة .

  قال الحكيم الترمذي رحمه الله في "نوادر الأصول" (1/ 378) : 

[ هذا عبد كثرت سيئاته حتى غمرته؛ فأدركه غوث تلك الكلمة، وليست تلك بأول مما قالها، ولكنها كانت مقالة طاهرة، خرجت من زكاوة قلبه في ساعة من عمره فأنجته، فحاطت ذنوبه، وهدمتها، وطاشت بالسجلات يوم الوزن، لوزن تلك الكلمة، وإنما ثقلت لعظم نورها؛ لأنها خرجت من نور استنار قلبه بالنطق بها، وإذا أراد الله بعبد خيرًا، منَّ عليه في ساعة من عمره ونبّهه، فإذا انتبه، انفتح قلبه، واستنار صدره من تلك الفتحة، فإذا انفتح القلب، خرج النور إلى الصدر، فأشرق، فأي كلمة نطق بها في ذلك الوقت، فإنما ينطق على شرح الصدر، والمعاينة لصورة تلك الكلمة، تسمى كلمة الإخلاص، وكلمة يقين، تثقل في الوزن يوم الوزن، وتكون سببًا لنجاة صاحبها، وهذا لا يكون في شهادة التوحيد؛ إذ لو كان لها لاستوى الناس فيها. ] اهـ. 

  ومن العلماء من حمل ذلك على من كان آخر كلامه من الدنيا هو الشهادة، قال القرطبي رحمه الله في "التذكرة" (1/ 360) : 

[ ويجوز أن تكون هذه الكلمة هي آخر كلامه في الدنيا، كما في حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه في الدنيا: لا إله إلا الله؛ وجبت له الجنة. ] اهـ.

  لمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى هذه الفتاوى بالموقع : [ فتاوى عامة رقم : 2332 ، 2333 ، 8573 ] .

  والله تعالى أعلم .