فتاوى نسائية رقم : 5283

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عندي بناتي في إعدادي وثانوي محتاج نصيحة حضرتك لوضعهم على الطريق الصحيح بالنسبة للتعليم هل تعليم حاجة مثل الذكاء الاصطناعي جيد ؟ وهل موضوع عمل البنت له شروط ؟ وأهم سؤال هل يتوقف التعليم عند الزواج والبيت أو عند متى ينتهي تعليم البنت ؟

البلد : مصر .

التاريخ : 22 / 9 / 2023

رقم الفتوى : 5283

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  تضمنت الرسالة أربع أسئلة وها هو جوابها :

إجابة السؤال الأول : أهم ما نحتاج إليه في تربية الأولاد هو صلاح الأبوين ، لأن فاقد الشئ لا يعطيه ، والولد بذرة تمتص القيم من البيئة التي ينشأ فيها ، قال الله تعالى : " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " ، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه " .

والخطوات العملية لتربية أولادنا بالمصاحبة يمكن إجمالها في التالي :

1- أن يصحب الوالد أو الوالدة الأبناء لصلة الأرحام وعيادة المريض والتهنئة بالمناسبات السارة وأن يعلمهم مع كل زيارة آداب وسنن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمور ، فهذا التطبيق العملي للشريعة من أكبر أسباب التربية الصحيحة للنشء خاصة أنهم يحبون الخروج والتنقل بصحبة الوالدين ، وذلك لما رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال، منسأة في الأثر " .

 "مثراة في المال": سبب لكثرته. "منسأة في الأثر": تأخير في الأجل وتطويل في العمر.

2- القدوة تبدأ من الأبوين باستقامتهما على طاعة الله وتعظيم أوامره والحرص على الصلاة في مواقيتها وتحري الصدق في القول والعمل . فالأولاد يمتصون القيم من أبويهم فكل إنسان يشيب علي ما شبَّ عليه ، الذي يُعلم أهله وولده الصدق سيجني في حياته الراحة ويربي فيهم القوة والجرأة في الحق والصراحة ، فلن يري في أحد منهم وجهين ولا لسانين ، يقول عبد الله بن عامر رضي الله عنه : دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أعطيه تمرا ، فقال لها : أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة " رواه أحمد وأبو داود . لا تعد ولدك وعدا وتخلفه ، ولا تحدثه بحديث هو لك مصدق وأنت له كاذب تحت دعوي المزاح ، فهذا سيغرس فيه الغش والخداع دون أن تدري ، فالوالد قدوة ، ورحم الله من استقام ليقتدي به أهله .

 3- الدعاء لهن بصدق في قيام الليل وأوقات السحر وعند الفطر من الصيام ، وتذكري دعاء إبراهيم عليه السلام  لذريته ، ودعاء أم مريم لابنتها وذريتها .      

4- أن تقصي عليهن قصص الصالحات  ، وأهم هذه القصص هي قصص نساء الأنبياء ثم قصص الصحابيات والتابعيات ، فالقصة لها الأثر الكبير في نفوس الأولاد ، ويمكنك أن تجعليهن يقرأن لك وتناقشيهن فيما يقرأن وتستخرجي منهن النية بسؤالك لهن : هل تردن أن تكن مثلهن ؟ إن قلن : نعم ، قولي لهن : اعملن مثل عملهن لتكن مثلهن .

وهذان مثالان يمكنك أن تقصيهما عليهن لتعلو همتهن :

 * أم الإمام مالك عممته بيدها وهو صغير وقالت له : اذهب فتعلم من أدب ربيعة – من فقهاء المدينة السبعة - قبل علمه .   

 * قال علي بن عاصم الواسطي : دفع إليّ أبي مائة ألف درهم ، وقال لي : اذهب وسافر لطلب العلم ، ولا أرى وجهك إلا ومعك مائة ألف حديث ، فسافر وارتحل وطلب العلم ، ثم رجع لنشره حتى كان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثين ألفاً . ( تذكرة الحفاظ : 1 / 317 ) .

5- اصطحبي البنات  معك في حلقات العلم النسائية وتحفيظ القرآن .

إجابة السؤال الثاني : الأصل في تعليم البنات هو الجواز لأن التعليم واجب وضرورة لعموم الأمة ذكورا وإناثا ، ويكفي دليلا على ذلك فقه أمهات المؤمنين وتعليمهن للأمة أمور دينها  ، وهناك حاجة الأمة للطبيبة والمعلمة وغير ذلك من أنشطة في كل مناحي الحياة مما يتناسب مع طبيعة المرأة التي خلقها الله بها . 

  وأما الذكاء الاصطناعي وغيره من العلوم الحديثة والتكنولوجيا فإن القاعدة الشرعية فيه هي هذا الأصل الذي وضعه علماء الأصول : الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم . والدليل على أن الأصل في المنافع الإباحة والحل حتى يأتي دليل على تحريمها الاستدلال بعموم قول الله تعالى : " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ " [ الجاثية،: ١٣] .

  فإذا كان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيستخدم في المنافع والمصالح التي يحتاجها الناس فهو مباح ولا حرج من تعلمه وتطبيقه وممارسته شأن أي علم من العلوم الدنيوية ، والمنافع كثيرة مثل : اختراع الروبوتات لتطهير الأرض من الألغام بعد الحروب ، واكتشاف المعادن في المناجم التي توجد على أعماق كبيرة تحت الأرض أو في جوف الجبال قد يتضرر بها البشر ، وإرسالها إلى الفضاء لاكتشاف المجهول ونحو ذلك من التطبيقات الحديثة النافعة ، وأما استعمال الذكاء الاصطناعي في الغش وأكل أموال الناس بالباطل عن طريق المحاكاة وتركيب الصور على فيديوهات فاضحة للابتزاز والتهديد وفضح الناس والتشهير بهم أو لمجرد اللهو والعبث وضياع الأوقات فكل ذلك مما لا شك فيه منهي عنه شرعا ، كما إن استعمال مجسمات في صورة إنسان أو كل ذي روح لا يجوز للنهي عن التصوير المجسم لذوات الأرواح الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " . فإذا انتفت الموانع الشرعية وتحققت المنافع والمصالح الدنيوية فلا حرج حينئذ من التعلم والاستفادة من الذكاء الاصطناعي شأنه شأن أي اختراع أو ابتكار علمي تنتفع به البشرية .  قال ابن تيمية رحمه الله : [ لست أعلم خلاف أحد من العلماء السالفين في أن ما لم يجئ دليل بتحريمه، فهو مطلق، غير محجور. وقد نص على ذلك كثير ممن تكلم في أصول الفقه وفروعه، وأحسب بعضهم ذكر في ذلك الإجماع يقينًا، أو ظنًّا كاليقين.] اهـ.

إجابة السؤال الثالث : الضوابط الشرعية لعمل المرأة :

1- أن تخرج بإذن ولي أمرها من زوج او أب .

2- أن تكون هناك ضرورة وحاجة ملحة لخروجها ، سواء حاجتها أو حاجة الأمة والمجتمع لها . والضرورات الخمس هي : مأكل . ملبس . مركب . منكح . مسكن

3- أن تخرج في حجابها الشرعي ساترة عورتها .

4- ألا تهمل بيتها أولادها وزوجها فلا يكون العمل على حساب هؤلاء .

5- ألا تكون فتنة لغيرها .

6- أن يكون العمل مناسبا لطبيعتها وفطرتها كأنثى وامرأة .

إجابة السؤال الرابع : ليس هناك حدود معينة لطلب العلم النافع ، ولكن ذلك يعتمد على ظروف كل امرأة وأحوال أهلها وإذن زوجها .

والله تعالى أعلم .