فتاوى المعاملات المالية رقم : 7048 

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل بارك الله فيكم طالب في سنة رابعة كلية الشرطة واستدعته إدارة الكلية للشهادة في واقعة سرقة زميل له لزميل آخر وبالرغم من علمه من صحة الواقعة إلا أنه أقسم على كتاب الله بأن الواقعة لم تحدث لأنه يعلم أنه لو أقر بصحة الواقعة لتم فصل الطالب السارق ولا تقبله كليه أخرى ولضاع مستقبله فما الحكم الشرعي وما كفارة اليمين الكاذب ؟ وجزاكم الله خيرا .

البلد : مصر . 

التاريخ : 13 / 8 / 2022 

رقم الفتوى : 7048 

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

  هذه المسألة واقعة بين درء مفسدتين : إحداهما مفسدة كبرى وهي فصل الطالب من كليته وضياع مستقبله ، والمفسدة الأخرى هي الشهادة عليه بسرقة زميله .

  وعند تعارض الأمرين يجب فهم هذه القواعد الأصولية أولا :

* القواعد الأصولية في درء المفاسد وجلب المصالح :

  الإسلام يضع قواعد في درء المفاسد وجلب المصالح ومنها :

قاعدة : (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما).

معناها : إن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فإنه لا يُلتفت إلى الضرر الأخف من أجل إزالة الضرر الأكبر ، أي الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .   

قاعدة : (إذا تعارضت مصلحتان رُوعي أعظمهما بارتكاب أخفهما) .

معناها : إذا تعارضت مصلحتان اعتبر أهمهما فتُقدم على المصلحة الكبرى على المصلحة الصغرى .

  وإذا قلنا إن مفسدة فصل الطالب من الكلية مفسدة أكبر من الشهادة عليه بالسرقة ، فإن السرقة المحرمة لها شروط يجب تحقيقها وإلا فهي في الأصل ليست سرقة يُقام فيها الحد .

* شروط السرقة التي توجب إقامة الحد :

1- أن يكون السارق مكلفاً وهو البالغ العاقل، مختاراً، مسلماً كان أو ذمياً.

2- أن يكون هذا الأخذ على الاختفاء والاستتار ، أي أن يأخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاغتصاب، والاختلاس، والنهب، والغش، ونحوها، وإنما فيها التعزير .

3- أن يكون المال في حرز وهو يخرجه منه ، وحرز المال : هو ما تَعَوَّدَ الناس على حفظ أموالهم فيه كالخِزَانَة مثلاً.

4- انتفاء الشبهة التي تدرأ الحد .

5- أن يكون مالا محترماً، فلا حد على من يسرق خمر أو أشياء محرمة.

6- أن يكون السارق مختاراً، فلا قطع على المكره لأنه معذور

7- أن يبلغ النصاب، وهو ثلاثة دراهم إسلامية أو ربع دينار ذهباً فأكثر ، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى . عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " رواه الجماعة . وفي لفظ بعضهم : " قيمته ثلاثة دراهم " ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " رواه الجماعة إلا ابن ماجه . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " رواه مسلم . وفي رواية قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار " رواه البخاري ، وفي رواية : قال : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " رواه البخاري . وفي رواية قال : " اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم ، والدينار اثني عشر درهما . رواه أحمد .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ، قيل لعائشة :  ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار " رواه النسائي .

8- أن يكون عالماً بالتحريم، فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة.

9-  لا بد من ثُبُوتِ السرقة وتكون إما بشهادة عَدْلَيْنِ ، أو بإقرار السارق على نفسه مرتين .

10- أن يطالب المسروق منه بماله فإذا لم يطالِب لم يجب القطع . 

  كما إن الإسلام شرع لنا درء الحدود بالشبهات ، فربما هذا الطالب قد أخذ من زميله هذه الأشياء مازحا أو لاعبا ، أو كان زميله يترك أغراضه في غير حرز فيعرضها للسرقة كما سبق بيانه في شروط حد السرقة .

  فإذا لم لم يكن هناك شبهة تدرأ الحد ولم تتوفر شروط حد السرقة فلا معنى للسرقة شرعا ، وأما إذا لم تكن هناك شبهة تدرأ الحد وتوفرت شروط السرقة ولكنه يترتب عليها مفسدة أكبر من الشهادة على السارق فإنه تُقدم المفسدة الصغرى على الكبرى حفاظا على مستقبل الطالب ولكن مع نصيحته بالتوبة والاستغفار ورد المسروق إلى صاحبه بالحكمة دون أن يصرح بذلك ، كأن يلقيها في مكان يمكن الوصول إليه ، أو يضعها بجوار مكان إقامة المسروق منه في عنابر المعيشة والإقامة للطلاب ونحو ذلك .

  وأما اليمين الغموس فلا كفارة لها وذلك بسبب بشاعتها وعظيم إثمها وضررها وإنما الواجب فيها هو التوبة النصوح والاستغفار .

  والله تعالى أعلم .