7) للمتعلمين .

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي رسوله الكريم المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، أرسله ربه بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ، بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا .

*  طلب العلم عبادة ، والسعي في تحصيله طاعة نتقرب بها إلي ربنا ومولانا ، أتعلم لأزداد حبا لربي ومعرفة به وبجلاله وعظمته فأزداد يقينا وإيمانا وتوكلا وحبا وإنابة وخشوعا ، أتعلم ديني لأبصر من أين يأتيني الشيطان ليفسد علي عملي ، أتعلم لأتقن الطاعة ويصعد عملي الصالح في أفضل صورة عليه طابعان : الإخلاص وموافقة السنة ، فما أشبه العمل الصالح بإناء من زجاج إن لم تحافظ عليه كان سريع الكسر عرضة للتلف ، كم من طاعة أفسدها الرياء والسمعة ، أو العجب بالنفس واحتقار الآخرين ؟ كم من أجور صالحة ضاعت بسبب ضياع حقوق العباد وهذا هو المفلس الذي يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ، فكلهم يأخذ من حسناته المقبولة حتي يري نفسه مفلسا صفر اليدين .

  العلم يرقي إيماننا ويحصن أعمالنا ويزكي نفوسنا ويطهر قلوبنا ويرفع درجاتنا ، ومن أعظم ما عبد الله به هو العلم به سبحانه " فاعلم أنه لا إله إلا الله " .

*  طالب العلم له بشرى لا والله بل بشريات : تحبه الملائكة وتدعو وتستغفر له ، وتضع أجنحتها تواضعا ورضا بما يصنع ، تمهد له السبل إلي الجنة ويرتفع بعلمه إلي أعلي درجاتها بقدر ما حصل وعمل وأخلص ، " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ؟ لا والله لا يستوون أبدا .

  روى الترمذي من حديث أبي الدرداء  قال: سمعت رسول الله  يقول: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم " . وفي حديث مسلم والترمذي عن أبي هريرة  عن النبي  قال : " ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليه السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " .

  حديث أو آية أو حكمة تسمعها تدل علي هدي أو تدفع عن ردي أليست تفتح بابا إلي الجنة ؟ وهل أبواب الجنة إلا الأعمال الصالحة ؟ وهل هناك من سبيل لعمل صالح إلا أن نتعلمه لنعمل به ؟ هذا رجل كبير يدعي قبيصة  من أهل اليمن روي أحمد في مسنده والطبراني عن ابن عباس  أنه قال : قدم قبيصة على رسول الله  فسلم عليه فرد عليه ورحب به ثم قال له : ما جاء بك يا قبيصة ؟ قال يا رسول الله : كبرت سني ورق جلدي وضعفت قوتي ووهنت على أهلي وعجزت عن أشياء قد كنت أعملها ، فعلمني كلمات لعل الله أن ينفعني بهن وأوجز ، فقال  : يا قبيصة قل ثلاث مرات إذا صليت الغداة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنك إذا قلت ذلك أمنت بإذن الله من العمى والجذام والبرص ، وقل اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك ، فجعل رسول الله  يقولهن و قبيصة يعقد عليهن بأصابعه " وفي رواية : " يا قبيصة! ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك " .

  كم نسعي في تحصيل زاد البطون والأجسام وهي إلي التراب تصير ، أفلا نسعي لتحصيل زاد القلوب والأرواح وهي أدوم وأبقي ؟!  

* لا خير في دنيانا إلا ما كان فيه طاعة لله وبرا بعباده ورحمة علي خلقه ، وخير الطاعات عالم يعلم ومتعلم يتعلم ، عن أبي هريرة  أنَّ رسول الله  قال : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " أخرجه الترمذي .

والمتعلمون هم وصية نبينا  لأصحابه أن يبشوا في وجوههم ويفسحوا لهم صدورهم لأنهم جاءوا يسعون في طاعة يحبها الله ويرفع درجات صاحبها ويباهي بهم ملائكته ، فعن أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله  : " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبًا بوصية رسول الله وأقنوهم ـ علموهم ـ " أخرجه ابن ماجه .

* تمام الفائدة للمتعلم تكمل بثلاثة أمور تعلمناها من صحبة موسي  وهو نبي من أولي العزم من الرسل عندما سافر سفرا بعيدا ليتعلم من عبد آتاه الله علما ، فذكر القرآن عنه ثلاث صفات هي حلية طالب العلم : التواضع ، والصبر ، والطاعة :

1- التواضع : فالماء لا يستقر علي قمم الجبال وإنما يستقر في السهول والوديان ، كذلك الرحمة تنتقل من قلوب المتكبرين إلى قلوب المتواضعين ، وهكذا العلم لأنه من رحمة الله بنا ، و به يرحمنا ويكرمنا ويعطينا ، ويقول بعضهم : ذللت طالبا فعززت مطلوبا ، ومن لم تره جالسا في مجالس العلم متعلما متأدبا بين يدي من يعلمه كيف سيربي غيره ويؤدبه ؟؟ فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن لم يتعلم من العلماء ويأخذ العلم علي أيديهم فاحذر من فكره وكلامه وإن كان معسولا يخدع الأسماع ، فهو شبيه بالعلم وليس بعلم يثمر خشية وورعا وتقي .  

2- الصبر : فالعلم لا ينال براحة البدن ، ولا نستطيع أن نتعلم الدين كله في جلسة أو يوم أو درس ، فلا نتعجل ونصبر فهذا الدين متين عظيم ولكن أوغل فيه برفق .

3- الطاعة : لا يتعجل ويوقر ويحترم من علمه حيا بين يديه وميتا بعد رحيله إلي الدار الآخرة ، عبد الله بن الإمام أحمد قال لأبيه يوما : من هذا الشافعي الذي أراك تدعو له دائما ؟ فقال : يا بني كان الشافعي كالشمس للناس والعافية للأبدان ، فانظر هل لهذين من عوض ؟؟

أعملـــــه الرماية كل يـــــــوم            *          حتي إذا اشتد ســــاعده رمانـــــي

* ماذا نتعلم إذا كان العمر قصير والعلم كثير ؟؟ هذا سؤال وجه للإمام مالك فكيف كان جوابه رحمه الله ؟ قال للسائل : انظر إلي ما تحتاج إليه منذ أن تقوم إلي أن تنام فتعلمه ، وما سوي ذلك فلا تعانه . هذا للعامي غير المتخصص في علوم الشريعة يتعلم علم يسميه العلماء : علم اليوم والليلة أو علم الحال ، كلما تعرض لمسألة وجب عليه أن يسأل عنها ، فإن زاد علي ذلك علما ومعرفة بدينه فهو خير علي خير ، ولكن لا ليذهب فيفتي غيره ، أو يتكبر ويتعالي بما تعلمه من مسألة أو مسألتين ، فالعالم والمتعلم يعرف بتواضعه وخشوعه وبعده عن السفاهة والسفهاء وينأي بنفسه عن الجدال واللغو بالباطل .

  زيد بن ثابت  ركب دابته يوما فأخذ ابن عباس  بركاب الدابة ، فقال له زيد : تنح يا ابن عم رسول الله  ! فقال له: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا ، فقال زيد: أرني يدك ، فأخرج يده ، فقبلها فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا  .

  قال السليمي : ما كان إنسان يجترئ على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير ، وقال الشافعي : كنت أتصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها ، وقال الربيع : واللّه ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر .

 فهل هكذا نعامل علماءنا وهل هكذا نطلب العلم ؟ هذا ما نؤمله ونرجوه إن شاء الله .